البير كامي .. أديب فرنسي جزائري المولد .. وهو من الدعاة إلى الوجودية في أوروبا إلا أن البير يختلف عن غيره من الوجوديين .. في أنه جعل من حرية الإنسان حرية نسبية , كما اختلف عن الفلاسفة المنهجيين كهيجل وسارتر في أنه كان يعبر عن فلسفته الإنسانية بلغة الإنسان ومعقوله العام .. وهذه الرواية هي أولى رواياته التي نشرها عام 1942 م فطارت شهرته في الآفاق , و تلقى جائزة نوبل عام 1957 م .
كامي كان يعتقد بالمساواة الإنسانية والعدالة فهو من أشد المدافعين عنها لكن ّ نظرته للعرب ظلت نظرة فوقية فقد كان يعتقد أنهم بحاجة شديدة للتحضر على يد الفرنسيين وهذه مفارقة قد لا تدهشنا كثيرا .
رواية الغريب :
بطلها ميرسو .. فرنسي يعمل في وهران وهو غريب الأطوار تبدأ قصته , مع وفاة والدته يتعامل مع هذا الحدث ببرودة فيحضر مراسم الدفن كعمل روتيني ..
ثمـ تمر الأيامـ تحت أشعة شمس الجزائر الحارقة .. يقوم بسببها بارتكاب جريمة قتل بحق رجل عربي – بالصدفة – وتنتهي الأحداث في أجواء المحاكمة .. وما يعقبها بعد صدور الحكم . خلال كل هذا يكون ميرسو متقبلا للحياة كما هي .. يعاملها كما يعامل الناس بلا مبالاة .. تجدك تعيش مع هذا البطل إنسان قد فرّغ من إنسانيته ومشاعره .. فهو آلي النزعة ..
ورغم هذا فإن القارئ للرواية سيجد في سلوكه المستفز ما يجعله على حافة الانفجار وهو ما حدث فعلا للبطل أخيرا عند زيارة القس له في زنزانته ..
من ذلك الاستفزاز اللامبالي :
( جاءت ماري إلى المكتب لتصحبني عند الخروج وسألتني إن كنت أريد أن أتزوجها فقلت : إن ذلك يتساوى لدي وإننا نستطيع أن نتزوج إذا كانت تريد ذلك ولكنها أرادت أن تعرف إن كنت أحبها فأجبتها بما كنت قلته من قبل بأن ذلك لايعني شيئا , ولكنني أعتقد بأنني لا أحبها فسألتني ولماذا تتزوجني إذن ؟ فقلت : لأن ذلك ليس له أهمية !.. وإنها إن كانت تريد الزواج فأنا مستعد فقالت إن الزواج شيء خطير وهام فقلت : لا , فراحت تنظر إلي في صمت ثم تكلمت كانت تريد أن تعرف إذا ما كنت سأقبل نفس الاقتراح من امرأة أخرى … فقلت : بالطبع !!! )
لاشيء له قيمة أو أهمية , إنه الإحباط ولعل شخصيته التي تعد تعبأ بأحداث الحياة تعبر عن الإحباط الذي كسا الضمير الشعبي وشخصية الفرد الأوروبي بعد الحربيين العالميتين وما سببتاه من دمار جعل كل الرغبات تنحصر في البقاء !
ميزة ميرسو الوحيدة هي صدقه الشديد في التعبير عن مشاعره فلم يحاول في أي موقف من المواقف التي تعرض لها التعبير عن شيء لا يشعر به لكي يبدو طبيعيا في عيون الآخرين !
( …. إن من يعرفونني يقولون إنني دائم الصمت و الانغلاق وأراد أن يعرف رأيي حول ذلك فقلت : إن الأمر لا يخرج عن أنه ليس لدي ما أقوله ولذا فإنني ألتزم الصمت .. )
أسلوب البير كامي امتزج فيه الدعابة بالسخرية وتصلان إلى الذروة في ظل التناقض والتضاد فمن ناحية هناك ميرسو الحقيقي الذي لا يعرف الكذب ومقيد بآلية العواطف ويعيش في نفس الوقت حرا من قيود الحب والذكاء والإرادة والبراءة والاتهام ومن ناحية أخرى هناك ميرسو المتهم وهو وحش مكيافيللي الأخلاق .
قيمة الرواية في نظري أنها تلخيص بقالب روائي للفكر الوجودي , وأتعجب ممن يرى أنها عبثية وأظن أنه لم يفهم رمزيتها , فألبير نفسه يقول : ( الفن من أجل الفن هو فن مزيف لمجتمع خيالي زائف لا يعيش إلا على التكلف والخيال وينتهي به الأمر إلى تدمير كل ما هو حقيقي ) .
الحقيقة أنها ليست جميلة أو سيئة بقدر ماهي فصول تطـّرد لتصوغ إجابة ً لباحث , وستنتهي الأحداث لتجعل قارئها مرتبكا ففي نهاية السطور يقول ميرسو : ( أنا أيضا أحسست أنني مستعد أن أبدأ الحياة من جديد ) فكيف تكون البداية من حيث تبدأ النهاية ؟!!
أظن هنا أن كامي سيسخر من هذا السؤال ليقول كما قال سابقا ً :
( كلمات النهاية تعبر عن نفسها ) .